المقال الاول ترامب وإسرائيل
الصحفي عبد الباسط صابر اليوم الاخباريالمقال. الأول. :
بداية اقول ان كافة الدلائل والشواهد والمؤشرات تنطق بل تكاد تقطع بان الفترة القريبة المقبلة سوف تكون اكثر عنفا واشد دمارا وافظع في تداعياتها ومضاعفاتها المتوقعة علي الصعيدين الامني والجيوسياسي من كل ما اصاب هذه المنطقة علي مدار عام كامل شهدت فيه من حروب الابادة الجماعية والتطهير العرقي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومن التدمير الشامل والمتواصل ومن التهجير القسري في الجنوب اللبناني، ما يكاد يكون بلا مثيل له في اي مكان آخر في العالم.،. هذا فضلا عن قيام اسرائيل في الفترة الاخيرة بتكثيف هجماتها العسكرية علي سوريا ، باختراقها المتكرر لاجوائها وبتدميرها التام للمعابر البرية التي تربطها بلبنان، وهو الامر الذي يفاقم بشدة من مشكلات النازحين اللبنانيين الي اراضيها ، بل تجاوز الامر ذلك الي دخول اسرائيل بقواتها الي المنطقة المنزوعة السلاح بينها وبين سوريا في خرق فاضح لاتفاقية الهدنة الموقعة بينهما ، كل ذلك في غياب اي رد فعل روسي او ايراني للدفاع عن سوريا في مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية المتوحشة، وتركها وحدها في مواجهة عدوان اسرائيل المتصاعد عليها..علي الرغم من وجودهم بقواتهم وقواعدهم في اراضيها بذريعة الدفاع عنها ضد ما يتهددها من اخطار داخلية وخارجية..
وعلي الجانب الآخر، فان الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب، والقادم الي البيت الابيض في العشرين من يناير المقبل، بزخم سياسي داخلي هائل، وبحضور عالمي غير مسبوق، وباكتساح ساحق لكل المعوقات التي سبق وان وقفت في طريقه خلال فترة رئاسته الاولي، من اعلامية وحزبية وتشريعية، ظل يردد بلا كلل انه يقف ضد الحروب المشتعلة في اوروبا والشرق الاوسط، وانه لم يكن ليسمح بها اذا كان ما يزال رئيسا وقتها، وان ادارة بايدن المنتهية ولايتها هي من تتحمل كامل المسئولية عنها لانها لم تتدخل بما كان يجب ان تتدخل به لمنعها والدفع باطرافها في مسارات اخري اقل عنفا وكذلك اقل تكلفة للولايات المتحدة ولدافعي الضرائب الامريكيين.. وانا اصدق الرئيس ترامب في انتقاده لما جري وما يزال يجري علي الجبهتين الاوكرانية والشرق اوسطية ليس لانه داعية سلام، ولكن لانه يجد في مثل هذه الحروب خسارة اقتصادية كبيرة لبلاده يمكنها تجنبها والبحث عن خيارات بديلة توفر عليها كل هذه المخاطر والخسائر والتكاليف...
واذا كان الرئيس الامريكي ترامب يتحدث عن السلام والحاجة العاجلة الي وقف الحرب في كل مكان، فان ما سوف يحدث فعلا هو انه سوف يتعامل عندما يتسلم مقاليد الرئاسة مع المعطيات الفعلية ومع الحقائق الماثلة علي الارض، وهي حقائق لن يكون بمقدوره ان ينكرها او يلغيها، وسوف يكون موقفه ازاءها اقرب الي شرعنتها وتقنينها ضمن اطار توافقي من نوع او آخر، والانطلاق منها الي ما بعدها من التدابير والمشاريع والترتيبات الاقليمية وفق رؤيته السياسية التي سيجيئ بها الي البيت الابيض في يناير القادم..
وتفسيري لموقف الرئيس ترامب بحكم العلاقة التحالفية الوثيقة التي تربطه باسرائيل وبرئيس وزرائها نتنياهو، والي الحد الذي جعل نتنياهو يصفه خلال فترة رئاسته الاولي بانه افضل صديق لاسرائيل من بين كل الرؤساء الامريكيين الذين جاءوا الي البيت الابيض وان عودته تعني احياء التحالف العظيم القائم بينهما، هو ان علي اسرائيل خلال فترة الشهرين القادمين ان تنجز وبأقصي سرعة ممكنة كل ما تهدف اليه من وراء هذه الحرب ، حتي تخلق الامر الواقع الجديد الذي تخطط له والذي سوف يجده الرئيس الامريكي جاهزا في انتظاره عندما يبدأ في تسلم مهامه رسميا.. وهو الوضع الذي سوف ينطلق منه الي البحث عن حلول وتسويات لهذه الحرب التي دخلت عامها الثاني دون حسم يمكنه ان يضع نهاية قريبة لها.. وهو ما يتصور انها سوف تكون مهمته مع ادارته الجديدة..
وترجمة ذلك عمليا تعني اكمال اسرائيل تدميرها الشامل لقطاع غزة، واحكام سيطرتها الامنية علي الضفة الغربية تمهيدا لفرض سيادتها عليها وفصلها نهائيا عن غزة، كمقدمة نحو ضمها رسميا اليها باعتبارها الجائزة الكبري التي يمكن ان تخرج بها اسرائيل من هذه الحرب التي لم يسبق لها ان خاضت مثلها، مع التقدم نحو اخلاء جنوب لبنان بالكامل وتفريغه من سكانه بهدم كل القري والبلدات التي تقع في نطاقه. واجتثاث حزب الله من كافة مواقعه وقواعده ومناطق نشاطه، والانطلاق من ذلك الي ضرب الراس الكبير ايران بعد ان يكون قد تم تقطيع اذرعها، وقد تكون منشآتها النووية والنفطية وغير ذلك من المرافق الاقتصادية الاستراتيجية الحيوية علي راس قائمة استهداف اسرائيل لها، وهو ما صرح به وزير الدفاع الاسرائيلي الجديد اسرائيل كاتس، الذي يعد احد ابرز الصقور اليمينيين المتشددين واكثرهم عدوانية وعنصرية وصلفا وتطرفا في حكومة نتنياهو.. وهو ما يؤشر بان الاجواء السياسية في اسرائيل باتت محمومة الي اقصي حد مع التغيير الوزاري الاخير الذي وضع المزيد من المتطرفين في اخطر مواقع اتخاذ القرار في تل ابيب.. وان مرحلة جديدة من التصعيد توشك ان تبدأ لتدفع بهذه الحرب الاسرائيلية العدوانية الشرسة في مسارات اخري اخطر واوسع مدي من كل ما سبق..وهو ما لا بد وان يكون الرئيس ترامب علي علم مسبق به وان يكون قد حصل علي الضوء الاخضر منه.. بل وقد يكون هو الداعي اليه والمحرض عليه والداعم الاكبر له.. وهو ما ارجحه ولا استبعده....
ويبقي الحديث متصلا.
⇧