الجيش السوداني يستولي على الخرطوم
الصحفي عبد الباسط صابر اليوم الاخباريجمال طه يكتب
خلال الشهور الماضية عانت قوات الدعم السريع المتمردة فى السودان من خلل واضح بولايات الإقليم الأوسط، نتيجة طول خطوط الدعم، وتكوين المقاتلين تشكيلات عصابية لسرقة ممتلكات المواطنين بالقوة، وضعف سيطرة القيادة، ما أدى لانشقاق «كيكل» بكامل قواته، واستسلام ثُلث قوات «عبد الرحمن البيشي» القائد السابق لقوات الدعم السريع بولاية سنار وإقليم النيل الأزرق، والذي قتله الجيش بغارة جوية في يوليو 2024.
والحقيقة أن تطورات الوضع الميداني قد تُجبِر الميليشيات على التراجع غربا نحو إقليم دارفور وكردفان، وترك الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض، مع تطوير أنظمة الدفاعات الجوية من خلال الداعم الخارجي، لإبقاء كامل إقليم دارفور وقطاعات من كردفان تحت سيطرتها، كمقدمة للانفصال.
من مقال الجمعة الأسبوعى
انقلاب استراتيجي بولايات وسط السودان، والجيش يستكمل تحريرها
المقال
جمال طه يكتب:
انقلاب استراتيجي بولايات وسط السودان، والجيش يستكمل تحريرها
الجيش السوداني استعاد منطقة جبل «مويه» الاستراتيجية شمال غرب ولاية سنار أوائل أكتوبر 2024، فأصبحت كل المدن والقرى التي احتلتها ميليشيات الدعم السريع في مرمى أسلحته، وتم قطع خط الإمداد عن الميليشيات بالولاية فانهارت، ما سمح للجيش بالسيطرة على مدينتي «الدندر والسوكي» والقرى المحيطة بهما.. هرب البعض بالمنهوبات التي استولوا عليها من الأهالي الى مدينة «الرنك» بدولة جنوب السودان، بينما تشتت البعض الأخر.
قوات الجيش أصبحت على بعد 25 كيلومترا من «سنجة» عاصمة ولاية سنار، وتشكيلات الفرقة الرابعة مشاة بمدينة الدمازين في إقليم النيل الأزرق توغلت شمالًا صوب الولاية، وسيطرت على جبل كردوس، لحصار «سنجة» حيث تجمعت الميليشيات استعدادا لمعركة فاصلة دفاعًا عن آخر نقاط تواجدها بالولاية، التي كانت تسعى من خلال استكمال السيطرة عليها الى فتح خط إمداد بري مباشر من إثيوبيا، ما يمكنها من التمدد بولايات الشرق وإسقاط حكومة بورتسودان.. الجيش قتل عددًا من قادة الميليشيات على رأسهم «البيشي»، وقطع خطوط إمداداتها، وحصار قواتها، ما أحدث ارتباكا وهبوطا في معنويات القادة والمقاتلين، على نحو اقترب بمعركة الولايات الوسطى من الحسم لصالح قوات الجيش.
***
تدهور موقف الدعم السريع شجع «أبوعاقله كيكل» قائد الميليشيات بولاية الجزيرة على الانشقاق فى 20 أكتوبر 2024، بقواته البالغة 35 ألف مقاتل، والتي كان لها فضل اجتياح ولايتي الجزيرة وسنار ومنطقة شرق النيل بالخرطوم، مما مثل ضربة قاتلة للدعم السريع، شجعت خمسة من مستشاري الدعم الرئيسيين «أبرزهم مسؤول ملف شرق السودان عبد القادر إبراهيم محمد، والقانوني المعروف محمد عبد الله ود أبوك» على الانشقاق، مما يفسر انتقام الميليشيات المروع من المكون القبلي الذي ينتمي اليه «كيكل» شرق الجزيرة، بمذابح للمدنيين واعتقال العشرات ونزوح الآلاف، الأمر الذي استنفر قبائل «الشكرية» بولايتي كسلا والقضارف، للتحرك بأعداد كبيرة مدربة ومسلحة والعمل مع الجيش لنصرة أهاليهم، وهو متغير إضافي يدعم قدرات الجيش على سرعة حسم المواجهة مع الميليشيات بولايات الوسط.
مستشاري «حميدتي» المنشقين عقدوا مؤتمرا صحفيا أكدوا فيه أن انتصار الجيش بولايات الوسط أجهض طموحات الدعم السريع في التمدد بولايات الشرق السوداني، وأفشل مخطط «حميدتي» الاستراتيجي للسيطرة على ساحل البحر الأحمر.. ويؤكد ذلك أن خطة إثيوبيا للتواجد العسكري في البحر الأحمر من خلال قاعدة بحرية بأرض الصومال، كانت البديل لخطة حميدتي التي تم إجهاضها، وأن الطرفين يعملان لحساب أطرافا دولية وإقليمية تحركهم لفتح الطريق أمام تحقيق مصالحهم، على حساب تفتيت دول المنطقة، واشعال الحروب فيها.
***
حركة «الأورطة الشرقية» المسلحة التابعة للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الجنرال «الأمين داوود»، أعلنت الانتشار نهاية أكتوبر 2024 للدفاع عن الإقليم الشرقي بالسودان، ودعم الجيش في مواجهة الميليشيات، الجيش سمح لها بنشر قواتها بولاية كسلا المتاخمة لولاية الجزيرة وسط السودان، وهي الولاية الحدودية مع إرتيريا من الناحية الشرقية للبلاد، وذلك لمواجهة تطلعات قومية «البجا» المنتشرة بإقليم شرق السودان، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران.
«الأورطة الشرقية» واحدة من 4 ميليشيات تلقّت تدريبات عسكرية في أربع معسكرات خصصها الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي لتدريب الحركات المسلحة في شرق السودان خاصة حركتي «مصطفى تمبور والأمين داوود».. بعض قيادات «البجا» وجهت اتهامات مباشرة إلى إرتيريا بمحاولة التدخل في شئون السودان، من خلال الميليشيا الجديدة، وهددوا بمواجهة عملية انتشارها.
هذا التطور أثار ذلك قلقا واسعا لدى الرأي العام السوداني، لأن وجود ميليشيات ذات طبيعة عرقية قبلية مناطقية ترتبط بقوى إقليمية وتزداد قوتها مع الأيام، سوف يؤدى الى أطماع في السيطرة على الإقليم الذي تنتمي اليه، مما يثير الصراعات، ويهدد وحدة الدولة، وينتهي بتفككها.. والحقيقة أنه كان الأجدر بالجيش فتح أبواب التجنيد والتطوع للمواطنين على أساس قومي، بدلا من اللجوء لدعم التكتلات القبلية المسلحة، التي تعتبر قنابل موقوتة قابلة للانفجار.
***
اختلال التوازن في القوى لصالح الجيش بولايات الوسط، وزيادة أعداد المصابين من قوات الدعم السريع ومن بينهم قيادات رفيعة، وموجة الانشقاقات للقادة والمستشارين، أعطى انطباعا بأن الجميع يسعى للقفز من سفينة الدعم السريع التي توشك على الغرق، ما فرض تكثيف القوى الإقليمية المساندة له لمختلف صور الدعم، والتعجيل به، ويفسر ذلك استقبال طائرتي اليوشن خلال سبتمبر 2024 حاملة أسلحة خاصة منظومات الدفاع الجوي، وثم إخلائها الجرحى من مطار «نيالا» بولاية جنوب كردفان الى مطار «أم جرس» في تشاد حيث تتواجد المستشفى الميداني داخل مطار المدينة.
وللأسف، فإن تشغيل قوات الدعم السريع للمطارات بإقليم دارفور وكردفان في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، قد تم بصورة شرعية، من خلال الاتفاق مع الأمم المتحدة خلال اجتماعات جنيف الأخيرة، بدعوى استخدام هذه المطارات في الأغراض الإنسانية وعمليات الإغاثة، وتسعى قوات الدعم السريع لتزويد تلك المطارات بأنظمة دفاع جوي ورادارات تمنع الطائرات الحربية التابعة للجيش من الإغارة عليها أو تقديم الدعم الجوي لعمليات الجيش البرية، ولاشك في أن إسقاط طائرة اليوشن بولاية شمال دارفور في 23 أكتوبر 2023، كان يستخدمها الجيش لتزويد مدينة الفاشر المحاصرة بالإمدادات، يؤكد تزويد الميليشيات بأسلحة الدفاع الجوي، مما يضع الموقف في إقليم غرب السودان على المحك.
***
والحقيقة أن احتدام المعارك في السودان نتاج لتدخلات قوى دولية، كل يستهدف تحقيق مصالحه؛ المبعوث الأمريكي الخاص للسودان «توم بيريلو» زار نيروبي وأديس أبابا في 29 سبتمبر، ليفرض الرؤية الأمريكية بشأن استعادة المسار الديمقراطي، وأورى بفتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي لإعداد وتجهيز قوات للتدخل في السودان بدعوى حماية المدنيين، ولكن وصل أول وفد من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي الى السودان في 3 أكتوبر، بعد مرور عام ونصف من بدء الحرب، لتفعيل الدور الأفريقي في حل الأزمة، وإنهاء تعليق عضوية السودان في الاتحاد، وللأسف لم يتحرك المجلس الا بعد أن تولت مصر رئاسته مطلع أكتوبر، حاملة معها خريطة طريق لاستعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي المعلقة منذ أكتوبر2012، وعلى رأسها وقف إطلاق النار، وبدء عملية سياسية لاستعادة الحكم المدني والتحول الديمقراطي، الوفد أكد رفضه التدخل الأجنبي في السودان تحت ذريعة حماية المدنيين، تأكيدا لرفض الدول الأفريقية مقترح نشر القوات على هامش اجتماعات الجمعية العامة في 25 سبتمبر.
روسيا أيضا ليست بعيدة عن الصراع، فالطائرة الإليوشن التي أسقطتها قوات الدعم السريع كان طاقمها روسي الجنسية، يرتبط بمهربي أسلحة روس محترفين، هذا الحدث عكس مؤشرين هامين؛ الأول تأكيد عملي لامتلاك الميليشيات صواريخ مضادة للطائرات، صحيفة «وول ستريت جورنال» نشرت تقريرا ادعت فيه رصد هبوط طائرات شحن اماراتية محملة بالأسلحة في مهبط للطائرات بـ «حمرة الشيخ» في ولاية شمال كردفان حملت على متنها دعمًا عسكريًا للميليشيات.. المؤشر الثاني أن روسيا قد حولت دعمها اللوجستي من الميليشيات الى الجيش، لكنها تعتمد على وكلاء تجاريين، وكشفت مصادر عديدة عن وصول 550 من الخبراء العسكريين والتقنيين والجنود من القوات الروسية لدعم الجيش في العمليات العسكرية.
***
وأخيرا، فإنه خلال الشهور الماضية عانت قوات الدعم السريع من خلل واضح في ولايات الإقليم الأوسط من السودان، بسبب طول خطوط الدعم، وتكوين المقاتلين تشكيلات عصابية لسرقة ممتلكات المواطنين بالقوة، وضعف سيطرة القيادة، ما أدى لانشقاق «كيكل»، واستسلام ثُلث قوات «عبد الرحمن البيشي» القائد السابق لقوات الدعم السريع بولاية سنار وإقليم النيل الأزرق، والذي قتله الجيش بغارة جوية في يوليو 2024..
والحقيقة أن تطورات الوضع الميداني قد تُجبِر قوات الدعم السريع على التراجع غربا نحو إقليم دارفور وكردفان، وترك الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض، مع تطوير أنظمة الدفاعات الجوية لإبقاء كامل إقليم دارفور وقطاعات من كردفان تحت سيطرتها، كمقدمة للانفصال.
تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» حمّلت قوات الدعم السريع – لأول مرة- كامل المسؤولية عن الانتهاكات الكبيرة في شرق الجزيرة، ووصفتها بالوحشية التي يندى لها الجبين، وينبغي أن تتوقف فورًا، محذرة من مغبة التمادي في ترويع المدنيين العزل، وهو مؤشر لانقلاب موقف «تقدم» ضد الميليشيات، نتيجة تجاوزاتها التي أصبحت تسئ لكل من يتعاطف معها، وتؤكد انتهاء كل الاحتمالات التي كانت مطروحة في السابق، عن دور سياسي قد يضطلع به «حميدتي» في مستقبل السودان.
⇧