اثيوبيا والكيان ومصر
الصحفي عبد الباسط صابر اليوم الاخباري**اثيوبيا والكيان sh ومصر**
*هل يتحدى جيش «الكيان» وجود مصر العسكري بالقرن الأفريقي؟!
*وسائل إعلام الكيان عكست القلق من التحالف الأمني والدفاعي الذي شيدته مصر مع الصومال وإريتريا في القرن الأفريقي، وحذرت مما قد يؤدي إليه من صراع، نتيجة تمسك أديس أبابا باتفاقها مع «أرض الصومال» بشأن تشييد قاعدة عسكرية ومركز تجارى ولوجيستي بمحيط ميناء بربرة؛ موقع «makorrishon» الإخباري العبري نقل عن مسئولين ومحللين متخصصين في يوليو 2024، أن محور «القاهرة، أسمرة، مقديشو»، غيَّر خريطة التحالفات بالقرن الأفريقي، وزاد عزلة إثيوبيا، واتجه بالخلافات الإقليمية نحو الحرب.. «موقع ميدل إيست مونيتور» الإخباري البريطاني أكد في يوليو أيضًا، اهتمام دولة الكيان بإنشاء قاعدة عسكرية في «أرض الصومال» لمراقبة اليمن ومضيق باب المندب، ومواجهة صواريخ الحوثيين، واستعدادها للاعتراف باستقلال «هرجيسة» وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها، تحقيقًا لهذا الهدف.
صحيفة «نيزافيسيمايا» الروسية فسرت توجُّه الكيان بسعيه لتنفيذ عمليات ضد قوات صنعاء التي تدعم المقاومة الفلسطينية في غزة.. ونضيف أن التواجد المصري بالقرن الأفريقي كشف عجز الوكيل الإثيوبي عن أداء دوره الوظيفي لصالح دولة الكيان، ما فرض عليها الدخول المباشر، وهذا التطور رغم أنه يعري الدور الإثيوبي، الا أنه يدعم موقفها ويحقق مصالحها.. لكن الأمر له أبعادًا متعددة.
***
الظهور الصريح لدولة الكيان في أزمة «أرض الصومال» لازال في مرحلة التسريبات، لكنه بدأ عقب تعثر المسار التنفيذي لاتفاق إثيوبيا و«أرض الصومال» أول يناير 2024، نتيجة رفض الصومال والدول المحيطة لذلك، واستعانة «مقديشو» بمصر وتركيا لمواجهة احتمالات تنفيذ إثيوبيا للاتفاق بالقوة، أو تدخلها لتفتيت الدولة الصومالية، مما يؤدي الى اختلال توازنات القوى بالإقليم.
موقف دولة الكيان برز عقب تصريحات «موسى بيهي عبدي» رئيس «أرض الصومال» لصحيفة «فايننشال تايمز» أواخر مايو 2024، التي ذَكّر فيها بما يمكن أن يقدمه - من خلال موقع اقليمه الاستراتيجي- من خدمات للأمن الإقليمي، ووجه رسائل ترغيب الى واشنطن بإمكانية الاعتماد على إقليمه كقاعدة لردع هجمات الحوثيين، وتأمين حرية الملاحة والشحن البحري في خليج عدن والبحر الأحمر، وحث على دعم تنفيذ الاتفاق مع إثيوبيا، لتحقيق ذلك، شريطة الاعتراف باستقلال «أرض الصومال».
***
والحقيقة أن دولة الكيان تقدّر الأهمية الجيوسياسية لأرض الصومال، التي تمتلك شريطًا ساحليًا يمتد 740 كيلو مترا على سواحل خليج عدن، وتطل على مضيق باب المندب ممر تجارتها مع آسيا، ما يجعلها موقعًا هاما لمكافحة القرصنة وعمليات التهريب، والدفاع ضد تهديدات حركة الملاحة بالمضيق والبحر الأحمر بما فيها إيران والحوثيين.
التواجد في «أرض الصومال» يدعم الأمن القومي لدولة الكيان، ويجعلها مقصدا للتعاون الأمني والاستخباراتي، وتنفيذ العمليات المشتركة لمكافحة التهديدات الإقليمية، والاستفادة من الفرص الاقتصادية في قطاعات مثل الزراعة والطاقة والبنية التحتية، إضافة للفرص التجارية والاستثمارات المشتركة، كما يعزز العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل في القرن الأفريقي، ويدعم أنشطتها في مجال الاتصال السياسي والتعاون الثقافي والتبادلات العلمية والتكنولوجية.. والخلاصة أن دولة الكيان تقدِّر أن اعترافها بأرض الصومال يمكن أن يعزز مكانتها كلاعب استراتيجي في القرن الأفريقي.
***
اهتمام الكيان بأرض الصومال كان جزءًا من اهتمام أكبر بالصومال الأم حتى قبل استقلالها، فقد التقت «جولدا مائير» بمحمد جيو، أحد قادة المقاومة الصومالية عام 1959، وعرضت عليه مساعدات اقتصادية فور حصولهم على الاستقلال، وبالفعل عقب الاستقلال أرسل «إسحق بن زئيفي» رئيس الوزراء كتابا إلى الحكومة الصومالية للاشتراك في الاحتفال والاعتراف بالجمهورية الجديدة، لكنها تجاهلته، وانضمت للجامعة العربية، مما دفع الكيان لمعاداتها وتعزيز العلاقات مع إثيوبيا.. وعندما نشبت حرب أوجادين بين الصومال وإثيوبيا «1977/1978»، قدم الكيان دعما عسكريا للأخيرة ما ضمن لها كسب الحرب وابتلاع إقليم أوجادين الصومالي.
بسقوط حكومة سياد بري 1991، نشبت صراعات سلطة بين الأحزاب والقبائل والعشائر، تحولت لحرب أهلية، أسقطت الدولة.. فشارك الكيان فى المؤتمر الدولي الثاني لتنسيق المساعدات الإنسانية للصومال بأديس أبابا ديسمبر 1992، بهدف استغلاله كمنبر تواصل مع قادة الجماعات المسلحة الصومالية.. وخلال الاحتلال الإثيوبي/الأمريكي للصومال ديسمبر 2006، دعم الكيان إثيوبيا لتقويض سلطة المحاكم الإسلامية، وشارك في الحرب بحث يهود الفلاشمورا «يهود إثيوبيا» ويهود الصومال على التطوع والتبرع.
بعد انشقاق «أرض الصومال» مايو 1991، وانتخاب «محمد إبراهيم عقال» رئيسا لها 1993، بادر بتوجيه رسالة لرئيس وزراء الكيان يوليو 1995، مطالبا بتوقيع اتفاق تعاون استراتيجي لمواجهة الأصولية الإسلامية «رغم أن 98 ٪ من مواطنيه مسلمين»، وكذا إرسال مراقبين للاستفتاء على الدستور نهاية 1996، إضافة لطلب الدعم بالمعدات العسكرية والخبراء.. وبالفعل تم توقيع اتفاق نوفمبر 2001، الذى كفل حصول «أرض الصومال» على مساعدات عسكرية وتدريب، ولكن دون الاعتراف بالاستقلال، تجنبا لإفساد محاولات إقامة علاقات دبلوماسية مع الصومال، التي عرقلها انتشار ظاهرة القرصنة وظهور حركة الشباب الارهابية، ما اضطر الكيان لتعويضه باتفاقيات أمنية مع دول المحيط الصومالي.
الكيان أعلن في 11 فبراير 2010، استعداده للاعتراف بأرض الصومال، مستهدفا قياس مدى تقبّل المجتمع الدولي والإقليمي، والضغط على الصومال لقبول التطبيع، وبالفعل فتحت مقديشو قنوات اتصال سرية، وتم عقد عدة اجتماعات بين مسئولي البلدين منذ ديسمبر 2015، انتهت بلقاء رفيع المستوى بدولة الكيان في يونيو 2016، بين رئيس الوزراء بنYامين نتنYاهو والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود «خلال ولا يته السابقة»، ولكن لم يتم تسريب أنباؤه الا أوائل يوليو 2016، ما أربك النظام الصومالي ودفعه للنفي ثم التبرير بأحقيته في التواصل مع أي دولة.
صحيفة «جيروزاليم بوست» نشرت تقريرا منتصف أغسطس 2020، عن أهمية «أرض الصومال» باعتبارها «مثال لمنطقة ناشئة ومستقرة ذات إمكانات اقتصادية وأهمية استراتيجية»، وأضافت أن لديها واحد من أطول مدارج الطائرات في إفريقيا من إرث الحقبة السوفيتية، وميناء «بربرة» الإستراتيجي الذي تديره الإمارات، وتساءلت «لماذا لا نتطلع إلي ذلك الإقليم الآن؟!»، ونقلت عن أحد سكانه الذين التقت بهم تأكيده «ليست لدينا مشكلة مع دولة الكيان»، واختتمت بأن «أرض الصومال مرساة للاستقرار في الطرف الشرقي لمنطقة الساحل، مثل السنغال على الطرف الآخر بغرب إفريقيا».
***
وجدير بالإشارة أن النشاط التجاري والعسكري في أرض الصومال يقتصر على ثلاث دول؛ الأولى: إثيوبيا التي سمحت لها اتفاقية أول يناير 2024، بامتلاك 19 % من أسهم ميناء بربرة البحري لأغراض تجارية لمدة 50 عامًا، بجانب 20 كيلومتر2 في محيط الميناء، لتشييد قاعدة عسكرية تستقبل أسطولها العسكري.. الثانية: دولة الكيان وأنشطتها غير معلنة.. أما الثالثة: فهي دولة الإمارات التي تدير ميناء بربرة منذ عام 2016، وميناء بوصاصو في «بونت لاند» منذ عام 2017، والتزمت ببناء قاعدة عسكرية بجوار مطار «بربرة»، وتقوم بتدريب الشرطة والجيش، لذلك تتمتع بأقوى نفوذ سياسي في الإقليم، وهو ما تسعي دولة الكيان للاستفادة منه في تيسير حصولها على قاعدة عسكرية، إسوة بإثيوبيا.
***
وأخيرا، فمن مصلحة إثيوبيا إدخال دولة الكيان بصورة مباشرة للقرن الأفريقي لتحقيق التوازن في مواجهة التواجد المصري، وهو ما يلتقي مع تطلعات الكيان الذي لم يتخذ قرارا بشأنه بعد.. دولة الكيان مشتتة في مواجهات على ست جبهات، إضافة لإشكالياتها الداخلية، ما يجعل من غير المنطقي حاليا مواجهة مصر في القرن الأفريقي، خاصة أن عجز غاراتها والغارات الأمريكية والبريطانية عن فك حصار الحوثيين لباب المندب يمثل عنصر إحباط، يفرض إجراء حسابات دقيقة لتكلفة تواجدها العسكري في أرض الصومال مقابل عائداته، خاصة ان هذه القاعدة سوف تكون هدفا قريبا سهل المنال لصواريخ الحوثيين.. ولكن علينا أن ندرك، أنه مالم يتم احتواء النزعات الانفصالية في أقاليم الصومال، فسوف نواجه قريبا تواجدا عسكريا مكثفا لدولة الكيان هناك، واختلال توازنات القوى في الإقليم بصورة غير ملائمة لمصر.
⇧